التحديات التي يجب الانتباه لها

كل معتقد صحيح ومفيد معرض للتحريف وسوء الاستخدام وآفات يمكن أن تحوله إلى شيء ضار وخطير. والإيمان بفكر المهدوية ليس استثناءً من هذه القاعدة، فمنذ القرون الأولى للإسلام كان عرضة لتفسيرات جاهلة وخاطئة واستخدامات أداتية للوصول إلى مقاصد مثل السلطة والشهرة والثروة، ولا يزال يمكن أن يتعرض لمثل هذه الآفات. وأهم الآفات والانحرافات التي يجب أن نحذر من الوقوع في فخها هي:

١. ادعاء الاتصال واللقاء

حتى لو قبلنا احتمال أن بعض الأشخاص المختارين قد كان لهم في ظروف خاصة اتصال بالإمام المهدي (عج)، أو أنه أحياناً من وراء حجاب الغيبة قد أظهر هداية واهتماماً خاصاً تجاه شخص ما، فإننا لا نستطيع أن نثق ثقة كاملة بأي ادعاء في هذا المجال. لأنه بغض النظر عن احتمال الكذب وسوء الاستخدام، عادة ما نواجه في مثل هذه الأمور مشاكل مثل التفسيرات الخاطئة والخطأ في التطبيق والأوهام غير المقصودة وغموضاً آخر يمكن أن يبعدنا عن الحقيقة.

لقد حذر القرآن وأهل البيت (ع) مراراً من الاعتماد على الظن واتباع التخمين، واعتبروا أن العامل الرئيسي لانحراف أغلب الذين ضلوا، كان الثقة بشيء غير العلم والمعرفة. وفي موضوع المهدوية يجب أن نحذر أيضاً من أن لا نُخدع بالأسماء والألقاب والمظاهر المقدسة، وحتى من الشخصيات الكبيرة والأشخاص الذين نثق بحسن نيتهم، يجب أن لا نقبل ولا نرفض شيئاً بدون دليل ووثائق.

٢. ادعاء النيابة

وفقاً لمعتقد الشيعة الاثني عشرية، العصر الحالي هو عصر غيبة الإمام المهدي (عج). في هذه الظروف، الاستفادة من وجوده مثل الاستفادة من نور الشمس عندما تكون مختفية خلف السحاب؛ أي أننا رغم أننا لا نراه وليس لدينا اتصال به، إلا أن نور وجوده يشع على قلوبنا ونتلقى البركات المعنوية من هذا الطريق.

ولكن يجب أن ننتبه إلى أننا في عصر غيبة إمام الزمان (عج) محرومون من إرشاداته المباشرة وليس لدينا الحق في نسبة أي رأي إليه، سواء في المسائل الدينية أو الاجتماعية أو غير الدينية. لأنه لم يتم تعيين أي فرد أو مجموعة معينة كممثل أو نائب للإمام في عصر الغيبة، وأساساً مقام وصلاحيات الإمام المعصوم ليست بحيث يمكن لغير المعصوم أن يتولى نيابته.

٣. تطبيق العلامات وتحديد الوقت

رغم أنه في المصادر الحديثية الشيعية رويت روايات متعددة حول علامات ظهور إمام الزمان (عج)، ولكن أولاً طريقة نقل أي من هذه الأحاديث ليست بحيث يمكن نسبتها بشكل قطعي إلى القادة الدينيين، وثانياً على فرض صحة مثل هذه الأمور، فإن احتمال الخطأ في تحديد المصاديق عالٍ جداً.

بالإضافة إلى سوء الاستخدام المتكرر الذي قامت به تيارات السلطة في فترات مختلفة من أحاديث آخر الزمان وعلامات الظهور والتي يمكن العثور علی أمثلتها في التاريخ المكتوب، قد صدرت أيضاً أخطاء عديدة في هذا المجال من علماء وشخصيات لا نشك في حسن نيتهم ولا نعتبر تحليلاتهم مرتبطة بمصالح سياسية.

٤. الانتظار السلبي

خطأ آخر يحدث في فهم مفهوم انتظار المنقذ هو التخلي عن أداء الواجبات والمسؤوليات الذاتية وتأجيلها للمستقبل. يعتقد البعض أنه لأننا وُعدنا بأن جميع المشاكل ستُحل مع ظهور إمام الزمان (عج)، فحتى ذلك الوقت لا حاجة للجهد من أجل التقدم الشخصي أو مواجهة الانحرافات الاجتماعية، أو أن هذه الجهود لا تؤدي إلى أي نتيجة، وهكذا يتهربون مما يضعه العقل والمنطق على عاتقهم.

هذا في حين أنه وفقاً للروايات الإسلامية، تم تقديم انتظار الفرج كـ “أفضل الأعمال” مما يدل على أن الانتظار الحقيقي هو نوع من الجهد والعمل في اتجاه الاقتراب مما نتوق للوصول إليه، وليس السكون والخمول. المنتظِر الحقيقي هو الذي يسعى لإصلاح نفسه والمجتمع، لا يسكت أمام الظلم والجور، ومن خلال التعلم واكتساب المهارات يُعِدّ نفسه لنصرة إمام الزمان (عج)؛ وهو مع الأمل بمستقبل مشرق، لا يغفل عن واجباته الحالية ويعلم أن تهيئة المجتمع للظهور يتطلب جهداً ونضالاً مستمراً.

٥. ترويج الخرافات

إن وجود الغموض والتعقيد في موضوع غيبة وظهور الإمام المهدي (عج) وخفاء كثير من أسراره قد خلق أرضية مناسبة للتخمينات وترويج تصریحات لیس لها أساس في مجال المهدوية. هذه الآفة تشمل أموراً كثيرة مثل وضع ونقل روايات مختلقة وضعيفة، وإعطاء المصداقية للأحلام والأوهام، ونسبة كرامات ومعجزات غير مستندة إلى أشخاص مختلفين، والاعتقاد بتأثير أعمال معينة في تعجيل أو تأخير الظهور، ومزج المعتقدات غير الإسلامية مع تعاليم المهدوية الأصيلة.

لمواجهة هذه المشكلة، من الضروري أنه مع الرجوع إلى المصادر الشيعية الموثوقة والأصيلة والاستفادة من آراء العلماء الدينيين في فهم الروايات، نمتنع عن القبول غير المشروط لادعاءات الأشخاص، ومن خلال تقوية التفكير النقدي والاكتفاء بما هو واضح ويقيني، نمنع انتشار هذه الخرافات في المجتمع.

على أمل تحقق وعد الأنبياء والأولياء الإلهيين وظهور منقذ البشرية ومقيم السلام والعدل والحرية.

اللهم عجل لوليك الفرج

السابق: ما هو المهم

العودة إلى الفهرس

 

تم نشر المحتوى أعلاه في 20/3/2025 على موقع مكتبة مؤسسة الإمام علي (ع).